كشفت تقارير إعلامية أن
الغموض يحيط بعملية رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب الأمريكية حيث التزم قادة
الحكومة الانتقالية وحاضنتهم السياسية “الحرية والتغيير” بالصمت بعد الاجتماعات
التي دارت في العاصمة الإماراتية أبو ظبي منتصف الأسبوع الماضي. بيد أن مسؤولا
سياديا قال لـصحيفة ”القدس العربي” إن ذلك “سيكون عاجلا”. فيما أكدت صحيفة
“نيويورك تايمز” أن الرئيس الأمريكي بامكانه رفع اسم السودان من اللائحة السوداء.
وقالت مصادر سودانية نافذة: إن المسألة تعترضها عقبات مركبة تتمثل في عقبة إصرار
اثنين من قادة الكونغرس على عدم اعطاء السودان “حصانة سيادية” تحميه من الملاحقة
القانونية أمام أي تهم أو قضايا أخرى في المحاكم الأمريكية إلى جانب تعثر صفقة
التطبيع مع إسرائيل التي استجدت في الآونة الأخيرة وربطتها واشنطن برفع اسم
السودان من لائحة الإرهاب.
وكانت أبو ظبي شهدت
اجتماعات مكثفة بين الوفد السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد
الفتاح البرهان ووزير العدل نصر الدين عبد الباري، ووفد أمريكي رفيع المستوى من
مجلس الأمن القومي والخارجية الأمريكية، قبل ان يعود الوفد السوداني بعد اليوم
الثالث للاجتماعات واكتفى ببيان قال فيه “إن المباحثات اتسمت بالجدية والصراحة،
وناقشت عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها قضية رفع اسم السودان من
قائمة الدول الراعية للإرهاب والقيود الأخرى التي تفرضها الولايات المتحدة على
المواطنين السودانيين مثل حرمانهم من المشاركة في (اللوتري) وقانون سلام دارفور
وغيرها” إلى جانب “عدد من القضايا الإقليمية وفي مقدمتها مستقبل السلام العربي
الإسرائيلي الذي يؤدي إلى استقرار المنطقة ويحفظ حق الشعب الفلسطيني في إقامة
دولته وفقا لرؤية الدولتين والدور الذي ينتظر أن يلعبه السودان في سبيل تحقيق هذا
السلام”.
وأوضح البيان أنه “سيتم
عرض نتائج المباحثات على أجهزة الانتقالي بغية مناقشتها والوصول إلى رؤية مشتركة
حولها لتحقيق مصالح وتطلعات الشعب السوداني”.
وعلى الرغم من تكتم
أعضاء الحكومة عن فحوى العرض الأمريكي للتطبيع، إلا أن مصادر صحافية أمريكية قالت
“الولايات المتحدة عرضت 300 مليون دولار واعفاء 3 مليار من ديون السودان مع تعهد
الإمارات بتقديم 600 مليون دولار تستخدم لتوفير الوقود، ومبلغ آخر من إسرائيل حال
موافقة الخرطوم على الصفقة”. وعم غضب كبير في وسائط التواصل الاجتماعي بين
السودانيين على صفقة التطبيع التي جرى تسريبها من قبل الصحافة الأمريكية، معترضين
على ضآلة مبلغ التطبيع وتفاهته معبرين بأشكال مختلفة على مطالبة الولايات المتحدة
برفع السودان فورا من لائحة الإرهاب بعد ان استوفى الشروط.
في الوقت الذي قال فيه
مصدر سيادي رفيع المستوى لـ”القدس العربي” باقتضاب حول امكانية رفع السودان من
لائحة الإرهاب “سيكون ذلك عاجلا وفي القريب المنظور وليس في وقت آجل” دون الإشارة لمسألة التطبيع.
بينما نبه السفير
السابق نصر الدين والي مدير إدارة الأمريكتين في الخارجية السودانية، إلى ان الوقت
يضيق أمام السودان بجهة رفع اسمه من لائحة الإرهاب لأن الثالث من تشرين
الثاني/نوفمبر موعد تجديد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على
السودان بموجب الأمر التنفيذي رقم 13067 وقال “ووفقاً للتشريع الأمريكي الصادر في
هذا الشأن، يتوجب على البيت الأبيض إعلان تجديد العقوبات الاقتصادية على السودان
(في أو قبل الثالث من نوفمبر من كل عام)”.
وأوضح والي “إن الخطاب
الذي بعث به وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى زعيم الأغلبية في مجلس
الشيوخ، حول إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، يتمثل بازالة (العقبة
الكأداة) في طريق تطبيع العلاقات بين البلدين، وليس كما يعتقد العديد من الناس بأن
إلغاء العقوبات الاقتصادية هو الأهم”. وتابع “ومن المهم أن يتضمن القرار الأمريكي
المرتقب الاتفاق الذي سيوقع، والتشريع الذي سيصدره الكونغرس، والقرار الذي سيوقعه
الرئيس الأمريكي، على حصانة صريحة من أي ملاحقة قضائية أخرى أو جديدة؛ مهما كانت
طبيعتها، وشكلها ومضمونها؛ ضد حكومة السودان الحالية، أو أي حكومات لاحقة، في هذه
القضية؛ في أي مرحلة تاريخية لاحقة. ويتضمن التزاما قانونيا من الولايات المتحدة،
وأفراد عوائل الضحايا، وأي جهة قضائية، أو سياسية، أو اعتبارية، أو أشخاص بنص وروح
الاتفاق (الملزم قانوناً للحكومة الأمريكية، والحكومة السودانية، وعوائل الضحايا
معاً).”
وكتب مستشار البرهان
الإعلامي العميد الطاهر ابوهاجة في مقال بصحيفة القوات المسلحة أمس بعد عودة
البرهان “نعم تحتاج كل الخطوات إلى تفويض كامل لكن انتظار التفويض في كثير من
القضايا الحساسة والملحة ربما يضيع بعض الفرص المتاحة والفرص لا تتكرر وكثير من
القضايا تحتاج إلى (وزنة) وتعقل دون ما تعجل” في إشارة لرفض مجلس الوزراء السابق
التطبيع مع إسرائيل لعدم حصول الحكومة على تفويض في الوثيقة الدستورية .
وقالت صحيفة “نيويورك
تايمز” إن “رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب سيمهد الطريق لتطبيع العلاقات
الدبلوماسية مع إسرائيل في اتفاق مماثل لتلك التي ساعدت فيها إدارة ترامب إسرائيل
مع الإمارات العربية والبحرين”.
وأضافت “الاتفاق
السياسي الكامل بين إسرائيل والسودان سيكون صعبا إذا لم يكن مستحيلا في حال بقاء
السودان على قائمة الإرهاب الأمريكية” وأضافت “من غير المتوقع أن ينتظر الرئيس
ترامب قرار الكونغرس بشأن السودان وان تعزيز الدبلوماسية بين إسرائيل والسودان
سيكون بمثابة انقلاب للإدارة بالنظر إلى تاريخها المضطرب” وتابعت “قال المسؤولون
إن بومبيو مستعد للمضي قدما في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب إذ يتمتع وزير
الخارجية بصلاحية إزالة السودان من القائمة دون موافقة الكونغرس”.
مصدر قيادي بالحرية
والتغيير على صلة وثيقة بهذا الملف قال لـ”القدس العربي” إن الذي نعاني منه حول
مسألة رفعنا من لائحة الإرهاب هو قضية مركبة ومعقدة، فمن جهة تصر الإدارة
التنفيذية على استجابتنا لصفقة التطبيع مع إسرائيل وهي على استعداد لإصدار أمر
تنفيذي من الرئيس ترامب يقضي بذلك بغية ان يستفيد منها في حملته الانتخابية” وتابع
“لكننا لو استجبنا لصفقة ترامب هناك مشكلة أخرى أعقد وأصعب تواجهنا وهي مسألة
حصولنا على (الحصانة السيادية) بتشريع من الكونغرس وهو ليس بيد ترامب، بل الأمر من
ذلك أن هناك عضوين نافذين يعارضان ذلك هما السيناتور شومر من ولاية نيويورك
وماندنيز من ولاية نيوجرسي، اللذان يصران على عدم منحنا الحصانة السيادية تلبية
لرغبة ناخبيهم في ولاياتهما التي تضم عددا كبيرا من ضحايا هجمات11 ايلول/سبتمبر،
ويحاول السيناتوران الاستجابة لهم للاستفادة منهم في معركتهم الانتخابية” وزاد
“نحن نريدها صفقة مكتملة تنهي أي محاولة لمقاضاة السودان في المحاكم مستقبلا ما
يعني قضايا وتعويضات لن تنتهي بسهولة لذا الآن هناك سودانيون في اجتماعات متواصلة
مع هذين العضوين مع أصدقاء السودان لاقناعهما بالاستجابة لطلب منح السودان الحصانة
لانقاذه من الانهيار السياسي والاقتصادي حال عدم رفع العقوبات مع الحصانة. وفي
الوقت نفسه نتحاور مع الإدارة التنفيذية لتحسين عوائد الصفقة والتحذير من عواقب
إهمال ملف السودان على أمن المنطقة بأسرها حال انهيار الفترة الانتقالية تحت ضربات
تراجع الاقتصاد”.
تعليقات
إرسال تعليق