ويسألونك عن قانون التمكين (2-4) حق الاستعانة بمحام

بقلم    لواء حقوقي [م]    د. عبد الله حامد إدريس / المحامي

مقدمة :

كانت قد استعرضت في الدراسة رقم (1) من سلسلة دراستي  لما سمي بقانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة التمكين تعديل 2020 ، قد انتهت وفق حيثيات الدراسة إلى أنه:

1.            لا يوجد قانون ساري المفعول شرعاً بإسم   بقانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة التمكين نعديل 2020 ، لافتقاره لشرط النشر الوجوبي بالجريدة الرسمية ، وبالتالي فإن أعمال لجنة التمكين يعتريها البطلان قانوناً ودستوراً لاستنادها علي قانون باطل .

2.            في ظل خلو البلاد من محكمة دستورية لأكثر من ستة أشهر- في إنتهاك صريح لحق الدوله والمواطنين في حماية حقوقه الدستورية . فإن العدالة تحتم على مجلسي السيادة والوزراء إصدار قرارهم العاجل بإيقاف عمل لجنة التمكين وإبطال كل قراراتها تنفيذاً وتأكيداً إلي أنهما يعملان وفق قسم أدوه لحماية الدستور وإقامة دولة القانون.

الدراسة :

أولا : أما وقد انتهيت  الدراسة بشأن القانون إلي ما لخصته ، أعلاه ، فإن الوضع الطبيعي ألا يتم مناقشة بنود القانون لأن الأصل أن الشاة لايضرها سلخها بعد ذبحها ، ولكن في حالتنا هذه فإن الانتفاع بالشاة لا يتأتى إلا بعد ذبحها ، ومن هذا المبدأ وبغرض المساهمة في أبداء ما يتيسر من ملاحظا ت في سلسلة متكاملة بإذن الله ، منها ماورد بالمادة (8) من تعديل قانون التمكين 2020 التي تقرأ : (يجوز إستئناف أي من القرارات الصادرة من اللجنة خلال أسبوعين من تاريخ الإعلان عنها إذا كانت مبنية على مخالفة لأحكام هذا القانون أو الخطأ في تطبيقه على أن يقدم الاستئناف من المتضرر شخصياً) التي أتت بأمر لم يسبقهم إليه قانون في القرن الواحد والعشرين حين أوجبت على المتضرر من قرارات اللجنة أن يتقدم باستئنافه بشخصهً ، ذلك بعد أن تفضل القانون مشكوراً بمنح المتضرر حقي المراجعة والاستئناف !!! ، وأورد بداية دهشتي بأنه لم يكن من المتصور أن نشهد بأم أعيننا زماناً تتقهقر فيه حقوق الإنسان لننبري فيه مدافعين عن حق المواطن السوداني في الاستعانة بمدافع عنه محامياً كان أم غيره !!! ، ففي الوقت الذي يناضل فيه رفقاء مشرعي قانون إزالة تمكين النظام السابق بحرمان منتسبيه وغيرهم من حقهم في أن يدافع عنهم محامين ، فقد كان ذات النظام (الدكتاتوري) السابق قد إستن بموجب المادة (119/1/ب) من قانون القوات المسلحة 2007 للعسكريين حقا في أن يدافع عنهم محاميين أمام المحاكم العسكرية ، فصار حقاً للمتهم وواجباً  على المحامي يتمعان به  حتي هذه اللحظة منسوبي القوات المسلحة حتى في أحوال التهم المبنية علي جرائم المساس بالنظام الدستوري (الإنقلابات)، فيما كان مايتم حتى ٢٠٠٧ تطبيق ما يعرف بنظام الضابط المدافع صديق المتهم الذي كان ليس من حقه مخاطبة المحكمة إن تجرأ للقيام بذلك !!! ثم أدخل نظام نائب الأحكام الذي كان ينحصر دوره في تقديم المشورة للمحكمة للمتهم والادعاء، ثم في إعداد صياغة ملخص للحيثات بشكلها القانوني، والذي بدء بلاستعانة بقضاة من السلطة القضائية .

ثانيا: ما يجب الإشارة إليه أن تعديل قانون التمكين 2020 قد جاء معيباً لإنتهاكه أحد أهم مبادئ حقوق الأساسية للانسان وهو مبدأ المحاكمة العادلة المضمونة بوثيقة الحقوق والحريات المنصوص عليها في المادة (٦/٥٩) من الوثيقة الدستور الانتقالية 2019 التي تنص صراحة على أنه : ( يكون للمتهم الحق في الدفاع عن نفسه شخصياً أوبواسطة محام يختاره ...) ، بل أن المشرع الدستوري والقانوني قد ذهب أكثر من ذلك فلم يترك الحرية للمتهم فقط في ذلك الاختيار،  بل أوجب على الدولة وألزمها أن تؤمن له حقه في الدفاع عن نفسه إذا كان معسراً في الجرائم الخطيرة ، وفي ذات التوجه فإن المادة (135) من قانون الإجراءات الجنائية 1991قد نصت فقرتها (1) بأنه : (يكون للمتهم الحق في أن يدافع عنه محام أو مترافع.) وفي فقرته (2) وسعت له في ذلك الحق بأن منحته الحق حين نصت على أنه : (يجوز للمحكمة أن تأذن لأي شخص أن يترافع أمامها إذا رأته أهلاً لذلك.)، وهذا ذات ما تبنته المادة (40) من قانون المحاماة 1983 تعديل 2014 واجب تقدم خدمة إعانة من تعرض لمحنة قانونية  (يجوز للجنة  أن تمنح المساعدة القضائية لطالبها مجاناً أو أن تطلب منه المساهمة بمبلغ  معين تحدده  وفقاً لحالة اعساره،..) ، فيما إمتدت الممارسة العملية إلى السماح للمتظلمين من الخدمة العامة بلاستظهار بالمحامين بالظهور بجانبهم موظفي أمام لجان المحاسبة المصلحية ولجان مكاتب ومحكمة العمل بكل درجاتها الاستئنافية، وديوان المظالم والحسبة ،  بذا فإن كل القوانين السودانية بعد أن أثبتت للمتهم حقه في الاستظهار بمحام للدفاع عنه ، ذهبت في سبيل ضمان أكبر قدر من الحقوق التي توفر الاطمئنان للاجئ للمحاكم ،أن جعلت له حقاً إضافياً تمثل في حريته في تعيين مترافع من غير المحاميين ، كأخصائي عقارات أو موظف سابق في مصلحة أو سجلات الأراضي أو مهندس ذو خبرة فنية ودراية قانونية مثلاً للترافع منفرداً أو متضامناً مع محامي أؤمن ضمن تشكيل فريق دفاعه , أو له إختيار أي شخص آخر للترافع عنه منفرداً بموافقة المحكمة. ثالثا : لاشك أن هذا المبدأ قد إستمد السودان ككل الدول المتحضرة التي تبتغي المحاكمة العادلة للخاضعين لولاياتها، استمدنه من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1948 التي أجملت حزمة تلك المبادئ  في نص المادة 14 منه (  الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية ، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون ) ولايكتمل ذلك الإنصاف إلا إذا إطمئن الأطراف الى قدرتهم في الإلمام التام بتفاصيل أركان التهمته ومجريات نظر الدعوى ، الأمر الذي لايتوفر إلا بوجود مختص في القانون ليدافع عنه سيما وأن المتهم الطرف الأضعف في مواجهة الدولة، ومن ثم نصت  المادة (14/ 3/ ب)  مباشرة وتحديدا لذلك الحق حين ذهبت إلى وجوب توفير ذلك الحق للمتهم ناصة :(أن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه ) . ولاشك أن كل ذلك قد جاء نتيجة أمر راكز في الغريزة البشرية القائمة علي الخوف الشبهة والتهمة و الحرص على دفعها بلأسلحة المناسبة ، وقد أثبت الله تعالى ذلك منذ أمد بعيد بقوله تعالى على لسان سيدنا موسى عليه السلام الذي إسترهب مواجهة الفرعون فاستأذن عليه السلام ربه لاستكمال عدته التي تتطلبها المهمة محدداً إياها بحاجته لمتخصص في بيان الحجج وقادر على بيانها ، حين طلب الله تعالي منه أن : (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) (24) فدعا الله تعالى :(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً) طه 24ــ 33، وما رد في حديث أم سلمه رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم :(إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له ما أسمع...) مصنف أبي شيبه ج٥ ص٣٥٧. فهذا الحديث الشريف يؤكد أن الحاكم يحتاج لمن يعيينه التيقن  من حكام بإبرازح حجج صاحب الحق بالحق، حتى لا تكون الطرف الظالم أقوى بيانا بالمقارنة إلى إفتقار حجة المظلوم لعدم قدرته على البيان، ومن هنا برز دور المحامي كمدافع عن الحق الذي يجب أن يبينه جليا من خلال إجراءات عامة ومجردة، وأرجو ألا يظنن ظان أننا نذهب بذلك الي حماية فساد مفسد أيا كان، ولكننا ندعوا إلى أن يتم ذلك وفق القانون الذي يتوافق مع الدستور تحقيقا لدولة القانون الذي ننادي بها كما يطالب بها كل عدلي .

رابعا : وكل ماتقدم هي ذات المبادئ الذي تم تأكيده واعتماده لاحقاً بمؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي إنعقد بهافانا للفترة من  27/أغسطس ــــ 7سبتمبر 1990 لتأكيد الدور الأساسي للمحامين حيث أوردت بالمادتين (1) و (2) من البيان الختامي : ( 1. لكل شخص الحق في طلب المساعدة من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثباتها، وللدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجنائية.

2. تضمن الحكومات توفير إجراءات فعالة وآليات قادرة على الاستجابة تتيح الاستعانة بالمحامين بصورة فعالة وعلى قدم المساواة لجميع الأشخاص الموجودين في أراضيها والخاضعين لولايتها، دون تمييز من أي نوع، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الأصل العرقي أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الرأي السياسي أو أي رأى آخر أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو أي وضع اقتصادي أو غير اقتصاىي.) .

خامسا : معلوم أن من أهم أسباب لجوء الأفراد لتكوين النقابات هو إثبات حقهم في حرية العمل الجماعي لتحقيق مكتسبات لهم ، ثم ضمان تحول النقابة لهيئة تدير ضغطاً ضد تغول الحكومات من كل مساس بحقوقهم ، فالمحاميين كانوا قد إنتخبوا نقابة لأدارة شئونهم ، إلا أنه قد تم حلها بقرار من لجنة التفكيك في 13/ ديسمبر 2019 أحللت محلها لجنة عينتها لتسيير أعمال النقابة ، فبغض االنظر عن قانونية القرار الذي صدر بموجب الفقرة (ح) من المادة (7) من قانون التمكين ، وهي ذات الفقرة التي حلت لجنة تسيير المحامين وأي لجنة مماثلة فاقدة للشرعية بمضي ثلاث أشهر إعتباراً من منتصف مارس 2020 ، بغض النظر عن كل هذا فقد كان حرياً بلجنة تسيير نقابة المحامين  أن تنبري في المقدمة دفاعاً عن حق وواجب المحامين في ممارسة أوجب مهامهم ، وعن حق المواطن في حقه في تعيين مدافع عنه , ولكن يبدو أن الإلتزام الحزبي يفرض في أحيان كثيرة قمط الحق وتحيل المبادئ لمجرد شعارات .         

الخــــــلاصــــــــــــــة :

سادسا : إنتهت هذه الدراسة إلى أن :

1.            المادة ( ٢/٨ ) من قانون التمكين تعديل 2020 قد جاءت مخالفة للمادة (٦/٥٩)  من الوثيقة الدستورية للفترة الإنتقالية والمادة (135) من قانون الإجراءات الجنائية 1991، والمادة (40) من قانون المحاماة 1983 تعديل 2014 و المادتين (14) و (14/ 3/ ب) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1948 ومقروءتين مع المادة (42) من الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية 2019 .

2.            أن تنبري لجنة تسيير نقابة المحامين لتتصدر الدفاع عن واجب المحامي وحق الدوله والمواطن الطبيعي والدستوري في الاستعانة بمحام يختاره بنفسه لمتابعة شئونه القانونية لدي اللجان ونيابات التفكيك والدوائر القضائية المختصة .

3.            في ظل خلو البلاد من محكمة دستورية لأكثر من ستة أشهر _ الأمر الذي يعد إنتهاكا صريحا لحق الدوله والمواطنين في حماية حقوقهم الدستورية ـــ فإن العدالة تحتم على مجلسي السيادة والوزراء إصدار قرارهم العاجل بإيقاف تطبيق المادة (8/2) من قانون لجنة التمكين تعديل 2020 تنفيذاً وتأكيداً إلي أنهما يعملان برا بقسم أدوه حماية بحماية الدستور بإقامة دولة القانون .

                              والله من وراء القصد،،،


تعليقات