رؤى وأفكار ..د.إبراهيم الصديق ..قانون الصحافة أم قانون الإعلام؟ «1»

متغيرات كثيرة تستدعي التفكير بهدوء وروية في امر تنظيم الإعلام ، وبدلا عن حديث حول قانون الصحافة والمطبوعات ،ان نتحدث عن قانون ينظم الإعلام بشكل عام ، الصحافة والمطبوعات ، والإعلام الجديد ، ومؤسسات اعلامية واجهزة ، وهيئات بث ، وقطاع خاص وعلاقات مع القطاع العام وصياغة كل ذلك فى منظومة واحدة تتوحد اهدافها وغاياتها وتتنوع خصوصياتها ،وثمة ضرورات كثيرة لهذا الامر.
واولها: ان الكثير من مؤسسات واجهزة الصحافة والإعلام ، ومنها مجلس الصحافة ، نشأت فى مراحل مختلفة ، وبحكم تطور الإعلام وتقنياته حدثت متغيرات ومستجدات تستدعى ان يعاد صياغة هذه المؤسسات فى منظومة واحدة وإنطلاقا من مفهوم واحد ، حتى يتحقق الاستقرار والانسجام ووضوح الادوار والمهام ، وبالتأكيد فإن وجود قانون إطارى جامع يحقق التوظيف الأمثل ويعزز الأدوار ، ويستوعب الدور النقابي ومقاصد ومخرجات الحوار الوطنى.
وثانيها: ان الكثير من المؤسسات والاجهزة ، قامت بناءً على أمر تأسيس ، ومن الضرورى ان تعاد قراءة مهامها وادوارها فى قانون جامع وشامل ، وتنظيم مهامها قانونا ، والنظر فى علاقات الملكية ما بين الرسمى والعمومى والخاص وصحافة الافراد.
وثالثا: ان الوظيفة الإعلامية الآن تتقارب ، والعلاقات اكثر تشابكا ، والفرز بينها دقيق جدا ، ان للصحافة مواقع الكترونية ولقطات فيديو فى روابطها ومقاطع صوتية ، والامر نفسه للتلفزيون ، والصحافة الالكترونية اصبحت مصدراً للمعلومات والاخبار دون ان تكون هناك جهة ناظمة للأداء ومحددة للواجبات ، وقد تتصادم مهام مع اخرى .. بل ودخلت مفردات جديدة مثل «النطاق ، والمضيف والسعة الترددية» وكل ما يدخل فى مجال الشبكات..
ورابعا: فإن الواقع المحلى يستوجب انتقالاً واسعاً فى ملكية وسائل الإعلام ، من الرسمية الى العمومية ، كما ان الظرف العالمى يستدعى شكلاً معيناً لوسائل الإعلام ، من خلال قيام مؤسسات شاملة وإلتزام بمعايير مهنية وإحترافية عالية وكفاءة الأداء وفاعلية النفاذ للمعلومات وسرعة تدفق البيانات ، وكلها تتطلب موارد مالية ، ونظم السلسلة الشاملة ، لتوظيف الموارد «تلفزيون ، إذاعة ، موقع الكترونى ،صحافة مقروءة» وهذا يتطلب منظومة قانونية جديدة.
«2»
لقد شهد هذا العقد من الزمان تحولاً ضخماً فى مجال الإعلام ، من حيث الصناعة ومن حيث الرؤية ومن حيث المنظور ، ويمكن القول إنه إنقلاب فى المفاهيم والتصورات ، ولابد من استصحاب ذلك ، وما تفرضه ظرفيات الواقع ، واجراء تداول واسع يتجاوز الركون لتحديات المرحلة وضغط الواقع الى رؤية اكثر شمولا واتساعا ، واخشى ان يتم «ترقيع» قانون الصحافة والمطبوعات الراهن لإعادة انتاج الأزمة أو تأجيلها ، وهو امر لا يتفق ومطلوبات العصر ومقتضيات الانفتاح والتنوع فى مظاهره وحقائقه الجديدة، ولذلك نقترح السعى فى هذا الإتجاه وتعزيز أى خطوة فى هذا المجال وارجو ان تكون هذه واحدة من خيارات مجلس الإعلام ومتابعات لجنة الإعلام بالمجلس الوطنى ومحط إهتمام وزارة الإعلام ومجال تدارس الزملاء ..
وهناك تجارب واسعة فى هذا المجال ، يمكن الاخذ منها بما يتناسب والحالة السودانية ويقدم نموذجا متقدما ، يوازن بين ضرورات الإنتقال السياسى والتحول الإجتماعى وقيم الأمة ، واظن ان الادوار تعزز بعضها بعضاً وتتساند اكثر من كونها تتصارع ، ويمكن لقانون جامع ان يصيغ الواقع فى إطار جامع ويجنبنا التضارب ويوحد المؤسسات والأجهزة ويوظف الطاقات والموارد ..
ان الحكومة معنية بتوفير المعلومات وتأمينها وتحليل البيانات والاستفادة من تبادل المعلومات مع الجمهور ، لقد كان الجمهور يتلقى المعلومات بنسبة 100% من الحكومة والآن ومن خلال منصات الضغط الإعلامى فإن الجمهور يفرض 65% من اجندة الحكومة اليومية ويمكن إحالة هذا الزخم الى تبادل للآراء فى حالة وجود الحكومة فى دائرة الضوء .. كل هذه المستجدات تستدعى ان ننظر للإعلام من زاوية اكبر من معالجة إشكالية محدودة.

تعليقات