محجوب محمد صالح يتساءل في "العرب" القطرية :السودان وتركيا: من هنا إلى أين؟

محجوب محمد صالح
قال الكاتب محجوب محمد صالح في مقال نشره اليوم الجمعة بصحيفة العرب القطرية : «لقد أصبحت تركيا لاعباً أساسياً في هذه المتغيرات الإقليمية والدولية، متخليةً تماماً عن استراتيجية (تصفير المشاكل) مع دول الجوار والدول عامة
واضاف كان هذا الأسبوع في الخرطوم هو أسبوع الرئيس التركي أردوغان، الذي زار السودان زيارة رسمية استمرت ليومين حافلين بالاجتماعات والمناقشات وتوقيع الاتفاقات وتبادل الخطب وزيارة المواقع الأثرية. وعندما انجلى المشهد في نهاية الزيارة امتلأت الأضابير بوثائق إحدى وعشرين اتفاقية وبروتوكولاً للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، مع التأكيد على أن مصير هذه الاتفاقيات لن يكون مثل مصير اتفاقيات سابقة كتبت ووقعت ثم لم تنفذ، أو بُدأ تنفيذها ثم تعسر بسبب مشاكل مالية. التأكيد على الجدية هذه المرة يعتمد على قيام مجلس أعلى مشترك يشرف على التنفيذ ويقوده رئيسا البلدين، والزيارة تجيء في وقت تشهد فيه المنطقة العربية والشرق الأوسط عامة متغيرات سياسية عديدة ومهمة واستقطابات حادة وتحالفات جديدة؛ بعضها هش وغير مستقر وبعضها يرفع الاستقطاب لدرجة خطيرة.
لقد أصبحت تركيا لاعباً أساسياً في هذه المتغيرات الإقليمية والدولية، متخليةً تماماً عن استراتيجية (تصفير المشاكل) مع دول الجوار والدول عامة، بعد أن تجاوبت مع المتغيرات وأصبحت جزءاً من التحالفات والتحالفات المضادة، وهذا ربما يفسر طغيان الملف الاقتصادي على هذه الزيارة، بدءاً من تكوين الوفد التركي الذي صاحب الرئيس أردوغان، والذي وصل عدد المشاركين فيه من رجال الأعمال الأتراك إلى المئتي عضو، وقد انخرطوا مع بدء الزيارة في محادثات مباشرة ومطولة مع رجال الأعمال السودانيين تمخضت عن تسع اتفاقيات لمشروعات استثمارية مشتركة؛ لعل أهمها الإسهام في بناء مطار الخرطوم الجديد، وهو مشروع قد تعثر كثيراً وقد حال فشل السودان في تسوية مديونيات سابقة كانت مستحقة للصين دون استمرار المقاول الصيني في العمل، ويبدو أن تركيا مستعدة لأن تدعم هذا المشروع الآن، إضافة لمشاريع بنى تحتية أخرى، وهي كذلك تطمح في الاستثمار في القطاع الزراعي.
خلال الزيارة كان الصوت السياسي خافتاً مقارنة بالدور الاقتصادي الذي نال كل هذا الزخم، أو الدور الثقافي والذي سعت تركيا خلاله لاستعادة علاقات سابقة إبان فترة الخلافة العثمانية؛ وهو دورها في منطقة البحر الأحمر ومدينة سواكن التاريخية التي اعتمدتها الإمبراطورية العثمانية قاعدة لحماية ولاية الحجاز من أية هجمات بحرية، كما أقامت فيها مرافق عامة؛ أهمها المسجد الحنفي والمسجد الشافعي، لكن استعادة الإرث الإمبراطوري التركي سيقود لنتائج سالبة، ولذا لم يقف الاهتمام بالجانب الثقافي على الآثار وحدها بل تطرق للحاضر، فأعلن الرئيس التركي عن البدء فوراً في تأسيس جامعة تركية سودانية في الخرطوم. وفي تقديري أن التركيز على البعد الاقتصادي والبعد الثقافي في هذه الزيارة أمر مقصود ولم يحدث مصادفة، والجانب التركي يدرك أنه إذا أصبح لتركيا وضعاً متميزاً في المجالين الاقتصادي والثقافي فإن حصولها على وضع متميز سياسياً سيصبح أمراً مفروغاً منه ولا تحتاج تركيا أن تركز عليه في المرحلة الحالية بسبب المتغيرات السياسية والحساسيات الكثيرة في المنطقة، التي فرضت على السودان أخذ موقف محايد تجاه بعض الصراعات المحتدمة والتي أصبحت تركيا جزءاً منها، ولذلك سارع وزير الخارجية السوداني لأن ينفي أن الاتفاق مع تركيا يشكل تحالفاً؛ وهو تصريح سيشكك فيه كثيرون.
وإذا استعرضنا أرقام التجارة التركية السودانية للعام 2015 لوجدنا جملتها تبلغ 450.6 مليون دولار (أربعمائة وخمسين مليون دولار) هي عبارة عن صادرات تركية للسودان بقيمة 426.4 مليون دولار، وصادرات سودانية لتركيا بقيمة 24.2 مليون دولار فقط (أربعة وعشرين مليون دولار) أي أن الميزان التجاري كان لصالح تركيا بمبلغ أربعمائة مليون. وإذا كانت تركيا تطمح في علاقات تجارية مستدامة مع السودان لا بد من معالجة هذا الخلل بزيادة واردات تركيا من السودان، والحرص على أن تكون العلاقة الاستثمارية في مصلحة الطرفين وليست لصالح طرف على حساب الطرف الآخر، وسننتظر لنرى ما إذا كانت كل الوعود التي تم تبادلها خلال اليومين الماضيين ستتحقق، أم أن (تعثر التنفيذ) الذي أجهض اتفاقات سابقة ما زال قائماً!!;

تعليقات