أزمات الخبز والغاز تخنق الخرطوم… وارتفاع غير مسبوق في سعر الدولار (القدس العربي)


 

الخرطوم ـ «القدس العربي»: تشهد الخرطوم أزمة اقتصادية خانقة في السلع الضرورية في ظل ارتفاعا الأسعار بشكل جنوني، وسط أزمة حادة في رغيف الخبز. وفي وقت خرجت فيه تظاهرات اعتراضاَ على رفع سعر الغاز، وصل سعر الدولار إلى 310 جنيهات، حيث قفز إلى 50 جنيها في أقل من أسبوع، بينما



أجازت الحكومة موازنة العام الجديد.

وخرجت مظاهرات في مدينتي الدمازين والروصيرص، بسبب ارتفاع أسعار الخبز والمواصلات. وأصدر جمال عبد الهادي محمد أحمد، والي ولاية النيل الأزرق المكلف، قراراً بتعليق الدراسة في مرحلتي الأساس والثانوي في الرصيرص والدمازين حتى أشعار آخر، ما قاد لتعليق الدراسة في المدينة.
عائشة عامر الطاهر، وزيرة التربية والتوجيه المكلف، قالت في تصريح لـ الوكالة الرسمية (سونا) إن «تعليق الدراسة في المرحلتين في مدينتي الدمازين والرصيرص يأتي بسبب الاضطرابات والأحداث المستمرة خلال الثلاثة أيام الماضية».

إغلاق شارع رئيسي

وأقدم مواطنون غاضبون على إغلاق شارع رئيسي جنوبي الخرطوم العاصمة أمام مستودعات للغاز، وهو الوحيد الذي يمد العاصمة الخرطوم، احتجاجا على انعدام غاز الطبخ، ووضع المحتجون متاريس من الحجارة وأشعلوا الإطارات، ولجأ بعضهم إلى وضع أسطوانات الغاز الفارغة على قارعة الطريق أمام حركة السيارات.
وكانت إدارة البترول والغاز، أعلنت رفع سعر إسطوانة الغاز من 230 جنيها إلى 460 جنيها للوكلاء و500 جنيه للمستهلك، في ظل شبه انعدام لهذه السلعة المهمة.

خلاف حاد

ويأتي ذلك في ظل خلاف حاد بين أصحاب المخابز وحكومة ولاية الخرطوم حول سعر رغيف الخبز، ما دفع أصحاب المخابز لأن يحجموا عن استلام الطحين المدعوم، بعد أن حملوا حكومة الخرطوم مسؤولية عدم استلام المخابز للدقيق المدعوم ورفضهم العمل به.
وبينوا أن والي الخرطوم لا يتفهم معاناة المخابز من الارتفاع المتزايد في تكلفة الانتاج وتآكل رؤوس أموال أصحاب المخابز، ما أدى إلى توقفهم عن العمل بصورة تلقائية، وشددوا على تمسكهم بالقرار إلى حين الاستجابة لمطالبهم.
ووصف نائب رئيس اللجنة التسييرية لشعبة المخابز اسماعيل عبد الله لصحيفة «السوداني» عدم استلام الدقيق المدعوم بـ«الإجراء القانوني وأنه من حق صاحب المخبز «.
وأرجع ذلك للارتفاع المتصاعد في الأسعار وتآكل رؤوس الأموال، وشدد على تمسكهم بالقرار لحين موافقة حكومة الولاية على التسعيرة المقترحة منهم. وقال إن كافة المخابز التي تعمل بالدقيق المدعوم متوقفة عن العمل، وإن وجد مخبز يعمل بالمدعوم سيواجه الكثير من الضرر والخسائر.
وتشير متابعات «القدس العربي» إلى أن حكومة ولاية الخرطوم دعت لاجتماع عاجل مع شعبة المخابز، حيث تصر الأخيرة على أن يرتفع سعر رغيف الخبز إلى ستة جنيهات، وهو المقترح الذي تم رفضه بصورة قاطعة من قبل حكومة الولاية التي تريد تسعيره بـ 5 جنيهات لتتناسب الزيادة في السعر مع نسبة الزيادة في التكلفة بما يخفف العبء عن المواطن، إضافة لوضع ضوابط صارمة تمنع التلاعب مستقبلا في الأوزان.

وشهدت العاصمة الخرطوم تظاهرات متفرقة ومحدودة الثلاثاء، بسبب أزمة الخبز، حيث أشعل المحتجون إطارات السيارات منددين بانعدام الخبز وارتفاع أسعاره.
وحسب شهود عيان، تم إغلاق عدد من الطرق في أحياء مدينة أمدرمان حيث أشعل محتجون محدودو العدد، النار في إطارات السيارات في منطقة مايو، وفي منطقة الحاج يوسف، شرق النيل، منددين بسياسات الحكومة الرامية لرفع الدعم عن السلع والخدمات.
وتفاجأ المواطنون بارتفاع كبير في أسعار الخبز حيث بلغ سعر عبوة الخبز زنة 40 غراما 10 جنيهات، بينما بلغ وزن 70 غراما 1520 جنيها بدلاً عن 2 جنيه، وقد توقفت 80٪ من المخابز عن العمل لانعدام الغاز.

هبوط العملة المحلية

كذلك شهدت أسواق العاصمة الخرطوم ارتفاعا جنونيا في أسعار السلع الاستهلاكية الرئيسة بعد أن هبطت العملة المحلية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث بلغ سعر الدولار الواحد 310 جنيهات، حسب العاملين في السوق الموازي. وسادت حالة من الفوضى والارتباك خلال تعاملات أمس وسط استمرار شح المعروض وزيادة الطلب وارتفاع حدة المضاربات من قبل التجار.
وأرجع المتعاملون تهاوي سعر الجنيه إلى زيادة الطلب بشكل كبير مقارنة بالفترة الماضية، ما أدى إلى زيادة حجم المضاربات، خاصة مع تواتر الأنباء حول اتجاه الحكومة لتحرير سعر الصرف وتغيير العملة.
وقال أحد المتعاملين، مفضلا عدم ذكر اسمه، إن أسواق العملات شهدت توقفا بعمليات البيع مع استمرار انخفاض قيمة الجنيه.
وأضاف أن هناك عمليات شراء غير مفهومة لديهم هذه الأيام، مرجحا أن تكون من قبل شركات الوقود التي تستورده عبر السعر الحر، وتقول الحكومة إنها فتحت استيراد الوقود لشركات القطاع الخاص، وإنها توفر العملات الأجنبية عبر محفظة السلع الاستراتيجية.
في السياق أجاز مجلسي السيادة والوزراء، خلال اجتماع في القصر الجمهوري في وقت متأخر من ليل أمس الأول الثلاثاء، برئاسة رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، موازنة العام المالي الحالي.2021
وقالت وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي المكلفة هبه محمد علي، في تصريح صحافي «إن موازنة العام 2021 تعتبر أول موازنة تُعد بعد توقيع اتفاقية سلام السودان في جوبا، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب».
وأكدت أن «إجازة موازنة العام تعد الخطوة الأولى في تنفيذ برامج الدولة، وأن التحدي الكبير يأتي في تنفيذ بنودها بالطريقة المثلى» مضيفة أن هذا «التنفيذ يتطلب مجهودات شاقة من قبل كافة مؤسسات الدولة وللتضافر التام بينها».
وأعلنت أن «موازنة هذا العام خصصت مبالغ مقدرة لمعاش الناس والحماية الاجتماعية بمبلغ قدره 260 مليار جنيه و54 مليار جنيه لمشاريع مخصصات السلام بنسبة حوالى 29 ٪ من تقديرات الموازنة».
كما شملت «برنامج ثمرات (الدعم النقدي للأسر السودانية) وبرنامج إعادة تأهيل قطاع المواصلات القومية وبرنامج سلعتي، وبرنامج توظيف الشباب ومواصلة الدعم للقمح والدواء وغاز الطبخ والكهرباء».
وقالت إن «النسبة المخصصة للصرف على التعليم، بلغت 137مليار جنيه، بنسبة 12.5 ٪بزيادة بلغت 170 ٪ مقارنة بموازنة العام الماضي، وفاقت لأول مرة ميزانية الدفاع، فضلاً عن الصرف على الوجبة المدرسية وبرامج محو الأمية وتعليم الكبار وتدريب المعلمين وتطوير المناهج وتأهيل المدارس الفنية».
وأكدت أنه «قد تمت مضاعفة ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي لثلاثة أضعاف وزيادة الإنفاق على البحث العلمي المرتبط بزيادة الإنتاج والإنتاجية لتمكين البلاد من الاستثمار في مواردها الذاتية والاعتماد على الذات من خلال تفجير طاقات الإنتاج».
وبينت أن «الموازنة استجابت لمتطلبات السلام، وذلك برصد مبلغ 54.1 مليار جنيه كاعتمادات مخصصة للسلام تشمل الاستمرار في الصرف على المشروعات القائمة في مناطق النزاعات والحروب والتي توقف معظمها بسبب الصراعات التي شهدتها تلك المناطق».
وأشارت إلى أن «الموازنة رصدت مبلغ 21.5 مليار جنيه لهذه المشروعات وذلك ضمن قسمة الثروة بين المراكز والولايات، بجانب رصد المبالغ المخصصة لصندوق بناء السلام والتي تبلغ تقديراتها حوالى 13.3 مليار جنيه، وتخصيص مبلغ 19.3 مليار جنيه من المنحة الأمريكية لدعم برامج السلام».
وحسب الوزيرة «الموازنة رصدت حوالى 99 مليار جنيه لقطاع الصحة بنسبة بلغت 9 ٪ من تقديرات الموازنة، شملت دعم الأدوية المنقذة للحياة ومتطلبات درء جائحة كورونا وتأهيل وإنشاء المستشفيات الريفية والمراكز الصحية والصحة الإنجابية».
وأضافت أن «هذه الموازنة تعتبر أول موازنة تحقق فائضا جاريا منذ سنوات طويلة وتحافظ على نسبة عجز كلي في حدود 1.4 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، كما تم ضبط الإنفاق العام وترشيد الصرف على الحكومة وتخفيضه بنسبة حوالى24».
أما فيما يخص تمويل الموازنة، فأوضحت أنه «تم تمويلها بإيرادات حقيقية وتقليل الاستدانة من البنك المركزي من 200 مليار جنيه إلى 52 مليار جنيه، مما يؤكد التزام وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي برفع عبء التضخم عن المواطن وتثبيته على نسبة 59 ٪ بنهاية عام 2021 مقارنة بالنسبة الحالية التي تعادل أكثر من250 ٪».
وشددت على أن «من أهم إيجابيات وملامح الموازنة إحداث إصلاحات ضريبية وجمركية وتوسعة المظلة الضريبية بنسبة 60 ٪، ورفع إيرادات قطاع الذهب من 18 مليار جنيه في 2020 إلى 100 مليار جنيه في 2021 بما يمثل نسبة زيادة 82 ٪، بالإضافة إلى الالتزام بإنفاذ هيكل الأجور والمرتبات الذي تم اعتماده في 2020».
وأضافت: «ستقوم وزارة المالية بالاستفادة الكاملة من كافة الفرص التي تمت إتاحتها بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بما في ذلك الانفتاح على النظام المالي الدولي، والاستثمارات الأجنبية، وجميع الاتفاقيات الناتجة عن ذلك».

استغلال الاتفاقيات

وأوضحت أن «جميع الاتفاقيات التي وقعت، والتي ستوقع بالفعل كاتفاقية وزارة الخزانة الأمريكية بمبلغ1.2 مليار دولار واتفاقية أخرى مع بنك التصدير والاستيراد الأمريكي بمبلغ 1 مليار دولار، جاءت بعد خروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وسوف تفتح بابا لاستثمارات ضخمة للبلاد «، مؤكدة حرص وزارة المالية على أن «يتم استغلال كل هذه الاتفاقيات بالطريقة المثلى لرفع ميزانية التنمية وخاصة في الأقاليم المهمشة والأقل نموا». واشارت إلى «قيام الوزارة خلال الأيام القليلة المقبلة، بنشر الموازنة بأكملها وجميع بياناتها ومعلوماتها على صفحات الوزارة الإلكترونية وحساباتها على منصات التواصل الاجتماعي، بجانب توزيع (نسخة المواطن) وهي كتيب جديد مشروح بلغة مفهومة للجميع وهذا يتم لأول مرة في تاريخ السودان».

تعليقات